- يقال: إنَّ امرأة فَتْحٍ المَوْصِلِيِّ [1] عثرت فانقطع ظفرها فضحكت، فقيل لها: أما تجدين الوجع؟ فقالت: إنَّ لذَّة ثوابه أزالت عن قلبي مَرَارة وجعه[2].
- روي عن بعضهم أنه قال: مررت على سالم مولى أبي حذيفة في القتلى[3] وبه رَمَق، فقلت له: أسقيك ماء؟ فقال: جُرَّني قليلًا إلى العدوِّ، واجعل الماء في التُّرْسِ، فإني صائم، فإن عشتُ إلى الليل شربته[4].
- دخلوا على أبي بكر t وهو مريضٌ، قالوا: ألا ندعو لك طبيبًا؟ قال: الطبيبُ قد رآني. قالوا: فماذا قال؟ قال: يقولُ: إني فعَّالٌ لما أريدُ[5].
- رُوي عن أُمِّ كلثوم وكانت من المهاجرات أنه لما غُشِيَ على زوجها عبد الرحمن بن عوف t خرجت إلى المسجد تَسْتَعِينُ بما أُمِرَتْ به من الصبر والصلاة[6].
- عن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس: ألا أُرِيكَ امرأة من أهل الجنة؟ قلتُ: بلى. قال هذه المرأة السوداء أتت النبيفقالت: إني أُصْرَعُ، وإني أتكشَّف، فادعُ الله لي. فقال: "إِنْ صَبَرْتِ فَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ". قالت: إني أتكشَّف، فادعُ الله أن لا أنكشف. فدعا لها[7].
- قال ابن القيم: "قدم عروة بن الزُّبَيْرِ على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد، وكان من أحسن الناس وجههًا، فدخل يومًا على الوليد في ثياب وَشْيٍ، وله غديرتان[8] وهو يضرب بيده، فقال الوليد: هكذا تكون فتيان قريش. فَعَانَهُ[9]، فخرج من عنده متوسِّنًا[10]، فوقع في إصطبل الدوابِّ، فلم تزل الدواب تطؤه بأرجلها إلى أن مات.
ثم إنَّ الأكلة وقعت في رجل عروة، فبعث عليه الوليد الأطباء، فقالوا: إنْ لم تَقْطَعْها، سَرَتْ إلى باقي الجسد فتهلك. فعزم على قطعها، فنشروها بالمنشار، فلما سار المنشار إلى القصبة وضع رأسه على الوسادة ساعة، فغُشِيَ عليه.
ثم أفاق والعرق يتحدَّر على وجهه، وهو يُهَلِّل ويُكَبِّر، فأخذها وجعل يُقَلِّبُها في يده، ثم قال: أما والذي حملني عليكِ، إنه ليعلم أنِّي ما مَشَيْتُ بكِ إلى حرام، ولا إلى معصية، ولا إلى ما لا يُرْضِي اللهَ. ثم أمر بها، فغُسِّلت وطُيِّبَتْ.
وكُفِّنت في قطيفة، ثم بُعث بها إلى مقابر المسلمين، فلما قَدِمَ من عند الوليد المدينة، تلقَّاه أهلُ بيته وأصدقاؤه يُعَزُّونَه، فجعل يقول: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62]، ولم يَزِدْ عليه".
قال ابن القيم: ولمَّا أرادوا قطع رجله، قالوا له: لو سقيناك شيئًا؛ كي لا تشعر بالوجع. فقال: إنما ابتلاني ليرى صبري، أفأعارض أمره؟![11].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أحد الزهاد.
[2] الغزالي: إحياء علوم الدين 12 2189.
[3] يقصد قتلى معركة اليمامة، التي قاتل فيها المسلمون بني حنيفة لإيوائهم مسيلمة الكذاب وتصديقه.
[4] الغزالي: إحياء علوم الدين 12 2189.
[5] المصدر السابق 14 2556.
[6] محمد بن محمد المنبجي: تسلية أهل المصائب، الباب السابع فيما ورد في الصبر.
[7] البخاري: كتاب المرضى، باب فضل من يصرع من الريح (5328).
[8] الغديرة: الذؤابة، والضفيرة، والغَدِيرتان: الذُّؤابتان اللتان تسقطان على الصدر. انظر: ابن منظور: اللسان 5 8.
[9] عانَ الرجلَ يَعِينُه عَيْنًا: أصابه بعينه، يقال: أَصابت فلانًا عينٌ إذا نظر إليه عدو أو حسود فأَثرت فيه فمرض بسببها. انظر: ابن منظور: اللسان 13 298.
[10] أي غلبه النعاس. انظر: ابن منظور: اللسان 13 449.
[11] ابن قيم الجوزية: عدة الصابرين ص77، 78.
المصدر: موقع قصة الإسلام